في لحظة فاصلة في تاريخ العراق الحديث، نجد أنفسنا أمام سؤال يتجدد عن هوية عراقية تعبر عن نفسها عبر الموضة والأزياء، تلك الصناعة التي كانت جزءًا أصيلًا من ثقافتنا وتاريخنا. فلطالما كانت الأزياء في العراق رمزًا للفخامة والتعبير عن الشخصية، إذ امتزجت فيها أصالة التراث العراقي مع التأثيرات العالمية التي مرت عبر البلاد. ومع ذلك، وعلى مدى عقود من الزمن، تعرضت هذه الصناعة لضربات موجعة، فتآكلت إمكانياتها وتراجعت قوتها بفعل الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد.
واليوم، نجد في العراق حركة حقيقية تشهدها الأجيال الشابة من المصممين ورواد الأعمال، حركة تنبض برؤية مفعمة بالأمل والثبات، تهدف إلى إحياء هذه الصناعة وتحقيق نهضة جديدة. ورغم التحديات الكثيرة التي لا تزال تعترض طريقهم، يسعى هؤلاء الشباب إلى إعادة تعريف الهوية العراقية في عالم الأزياء، وفتح نافذة نحو العالمية. يتجسد هذا التحول في تصميمات جديدة مستوحاة من التراث العراقي المميز، مع إضافة لمسات معاصرة تلبي ذوق الأجيال الشابة وتتماشى مع التوجهات العالمية.
تأتي مجلة “إيكلا” اليوم لتكون صوتًا لتلك الرؤية، إذ تنطلق من إيمان عميق بأهمية هذه الصناعة وبدورها في تطوير الاقتصاد والمجتمع. عبر صفحات مجلتنا، نسعى لإلقاء الضوء على المصممين الشباب وأصحاب المشاريع الطموحين الذين يعملون بجدية لاستعادة مكانة العراق في عالم الموضة، ليمتزج الإبداع المحلي مع أفق جديد نحو الابتكار. وليس من قبيل المصادفة أن يرى عدد ديسمبر النور بمقالة افتتاحية تعبر عن هذه العودة، بل هو التزام منا كمجلة، ليس فقط بدعم الصناعة، بل برفع صوت هؤلاء المبدعين الذين يسعون لتجاوز التحديات وتحقيق أحلامهم.
إن نجاح صناعة الأزياء في العراق لا يعتمد فقط على الأفراد، بل يتطلب شراكات وتعاونات متينة مع مختلف القطاعات. على سبيل المثال، فإن دعم الحكومة العراقية لهذه الصناعة من خلال تقديم تسهيلات للمصممين وإتاحة الفرص أمامهم للمشاركة في الفعاليات الدولية يُعد خطوة حيوية. كما أن إشراك المجتمع العراقي، من خلال توعية الجمهور بأهمية دعم المنتجات المحلية، يعتبر جزءًا لا يتجزأ من تحقيق هذه النهضة.
وقد بدأت تتجسد هذه الرؤية الجديدة من خلال فعاليات ومبادرات طموحة، مثل “بغداد رانوي”، الحدث الأول من نوعه الذي جمع نخبة من المصممين والمبدعين العراقيين، وجعلهم يلتقون تحت سقف واحد لعرض مواهبهم، وهذا ليس إلا البداية. مع كل خطوة يخطوها هؤلاء المصممون نحو العالمية، يتأكد لنا أن صناعة الأزياء العراقية ليست فقط مشروعًا تجاريًا، بل هي رسالة، رسالة تتحدث عن المرونة، عن الصمود، وعن الإرادة التي تقود شعبًا بأكمله نحو مستقبل أفضل.
وما يجعل الأمر أكثر أهمية هو أن هذه الصناعة تلعب دورًا أكبر من مجرد تصميم ملابس، فهي تُسهم في بناء صورة العراق الثقافية، وتحسين الاقتصاد، وتعزيز السياحة، تمامًا كما هو الحال في عواصم الموضة العالمية مثل باريس وميلانو ونيويورك. الفارق هنا أن العراق يملك قصته الفريدة، وملامح تراثية تتنوع بين الحضارات السومرية والبابلية والآشورية، مما يمنح مصممينا العراقيين مخزونًا غنيًا من الإلهام يعبر عن ثقافة عمرها آلاف السنين.
وفي ظل هذا الزخم الجديد، نلتزم في “إيكلا” بتقديم منصة فريدة لدعم هؤلاء المبدعين، حيث نؤمن بأن الصحافة تلعب دورًا حيويًا في إبراز الطاقات الشابة وتسليط الضوء على الإبداع. نحن لا ننظر للأزياء على أنها مجرد قطاع اقتصادي، بل نراها كتعبير عن ثقافة وأصالة الشعب العراقي، وعن أحلام وتطلعات الجيل الجديد. كل عدد من مجلتنا يعكس هذه القيم، ويعبر عن رؤيتنا لصناعة الأزياء كوسيلة للتواصل بين الأجيال، وبين العراق والعالم.
ختامًا، إن عودة صناعة الأزياء في العراق ليست مجرد صحوة مؤقتة، بل هي تعبير عن إرادة ورؤية لمستقبل يتحدى كل الصعوبات، ويصنع قصص نجاح جديدة. مجلة “إيكلا” تلتزم بأن تكون الشريك الداعم لهذه الرحلة، وأن تحتفي بكل مصمم وكل تصميم يحمل في طياته حكاية عراقية أصيلة. نحن هنا لنشهد على هذه العودة العظيمة، ونكون جزءًا منها، لأننا نؤمن بأن المستقبل يكتب الآن، وبأن العراق، كما عهدناه، سيعود دائمًا قويًا في كل مجالات الحياة، ومن بينها عالم الأزياء