في مشهد يختزل العلاقة المتنامية بين الموضة والثقافة، اختارت دار الأزياء الفرنسية “جاكموس” مصر لتكون خلفية لحملتها الجديدة لموسم ربيع 2025، تحت عنوان “الرحلة البحرية”. ولم يكن هذا الاختيار مجرد قرار إنتاجي، بل يعكس تحولاً في نظرة دور الأزياء العالمية نحو الشرق الأوسط، ومصر تحديدًا، باعتبارها مصدرًا فريدًا للإلهام الجمالي والثقافي.

عندما تتكلم الأزياء بلغة الحضارة
تنقلت عدسات الحملة بين مواقع مصرية تحمل من الرمزية ما يتجاوز الجمال البصري، فشملت أهرامات الجيزة، ضفاف النيل، ومزارع تحاكي صورة مصر الخضراء الأصيلة. وفي هذه المواقع، امتزجت التصاميم الحديثة مع العناصر البصرية التاريخية، في محاولة لخلق حوار بين الحاضر والماضي، بين القماش والكتلة الحجرية، بين الإنسان والمكان. هذه المقاربة تضع الموضة في إطار فلسفي جديد، حيث لا تقتصر على الشكل، بل تتحول إلى وسيلة لفهم الذات الثقافية وربطها بالعالم.

تمكين الصورة من خلال الهوية
ما يميز هذه الحملة هو توظيف المواهب المصرية ليس فقط كمجرد عناصر إنتاجية، بل كجزء جوهري من السرد. فقد أُسندت مهمة التصوير إلى المخرج والمصور المصري محمد شريف، وشارك في الحملة العارض المصري محمد حسن، ما منح المشروع مصداقية محلية وعاطفة حقيقية تتجاوز السطحية الإعلانية المعتادة. بهذا، لم تكن مصر مجرد خلفية تصوير، بل كانت شريكًا في المعنى.

منصات جديدة، أدوار جديدة
يشير هذا النوع من الحملات إلى بداية تحوّل في كيفية تعاطي صناعة الموضة مع مفهوم المكان. فبينما كانت العواصم الغربية تحتكر المشهد لعقود، نجد اليوم توجهًا متسارعًا نحو مدن ذات عمق تاريخي وثقافي كالقاهرة وأسوان، لما توفره من بيئات سردية تسمح للعلامات التجارية بإعادة تعريف رؤيتها أمام جمهور عالمي يبحث عن الأصالة والهوية.

إلى أين تمضي الموضة؟
في عالم تتسارع فيه الصيحات وتتبدل فيه الأذواق، تأتي حملة “جاكموس” في مصر لتطرح سؤالًا أعمق: هل يمكن للموضة أن تتحول من مجرد منتج بصري إلى حوار ثقافي يعيد رسم خريطة الجمال؟ يبدو أن الإجابة تسير في هذا الاتجاه، خصوصًا حين تقترن الأزياء برؤية تحترم المكان، وتوظف عناصره بروح واعية، كما فعلت “جاكموس” في هذه التجربة التي تتجاوز حدود القماش والعدسة، لتصبح فعلًا فنيًا متكاملاً.