في أسبوع الرياض للموضة، خطفت المصممة السعودية هلا الغرباوي الأضواء بمجموعة “مندوسا”، التي تميزت بجرأتها في استكشاف عالم النفس البشرية وتعقيداته. جاء العرض كتجربة فريدة تنقل الجمهور في رحلة عميقة إلى قلب المشاعر الإنسانية المتناقضة، مستلهمةً تصميماتها من حالة “الاضطراب العاطفي” التي يعيشها الإنسان، حيث تتأرجح مشاعره بين أقصى درجات القوة والهشاشة.
تعمقت الغرباوي في تحليل فكرة “الاضطراب العاطفي” ليس فقط كمفهوم نفسي، ولكن كحالة إنسانية شاملة تتجسد في مواقف الحياة اليومية. عبرت عن هذه الفكرة باستخدام أزياء غنية بالتفاصيل تعكس الصراعات الداخلية التي يعيشها الإنسان. في تصاميم “مندوسا”، تجلى الصراع الداخلي كقوة دافعة تشكل الهوية الشخصية وتساعد في تحقيق التوازن بين ما يختلج في النفس وبين العالم الخارجي.
تميز العرض بدمجٍ متناغم بين الأنوثة والقوة، حيث تضمنت المجموعة فساتين ضخمة بأحجام جريئة وتصاميم حادة، بجانب قطع أخرى ناعمة اعتمدت على أقمشة مرنة تمنح مرتديها حرية الحركة. هذا التوازن بين الحدة والنعومة جسد التناقضات التي تعيشها المرأة، ليبرز صورة متكاملة تعكس قوتها الداخلية وقدرتها على مواجهة الصعوبات العاطفية.
اختيار الخامات في “مندوسا” لم يكن تقليديًا، حيث استخدمت الغرباوي أقمشة ناعمة مثل المخمل والتفتا لتصوير الرقة والدفء، في حين جاءت الزخارف الصلبة والتطريزات البارزة لتعبر عن القوة والسيطرة. أما الألوان، فقد لعبت دورًا محوريًا في إيصال الفكرة الأساسية للمجموعة، حيث تنوعت بين الأسود الحالك كرمز للغضب والسيطرة، والأحمر العميق الذي يعكس شدة المشاعر، والأبيض الذي يجسد الثبات والصفاء النفسي.
من خلال هذه الألوان والخامات، استطاعت الغرباوي أن تنقل شعورًا عميقًا بأن المشاعر الإنسانية ليست خطية، بل تتراكم وتتداخل بطرق معقدة تعكس عمق التجربة الإنسانية. كل قطعة من المجموعة كانت بمثابة قصة بصرية تعبر عن لحظة معينة من الصراع النفسي، لتجمع بين الأمل واليأس، والقوة والهشاشة، والسعادة والحزن.
جاء العرض كتجربة فنية أكثر من كونه عرض أزياء تقليدي، حيث وجهت الغرباوي رسالة عميقة للجمهور: “هل نحن قادرون على التحكم بمشاعرنا أم أن المشاعر هي التي تتحكم بنا؟” بهذا التساؤل، حوّلت المصممة منصّة العرض إلى مساحة للتفكير والتأمل في طبيعة النفس البشرية.
مجموعة “مندوسا” تجاوزت المفهوم التقليدي للأزياء، لتصبح تعبيرًا فنيًا يعكس صراعات النفس الداخلية، ويؤكد أن الأناقة ليست مجرد مظهر خارجي، بل هي انعكاس لقوة الإنسان الداخلية وقدرته على التوازن. من خلال هذا العمل المبدع، أثبتت هلا الغرباوي أن الموضة ليست مجرد أداة للتجميل، بل وسيلة قوية للتعبير عن التجربة الإنسانية بمختلف أبعادها.
مع كل هذا الإبداع، لم يكن العرض مجرد محطة في أسبوع الرياض للموضة، بل رسالة واضحة تعزز مكانة المصممين السعوديين على الساحة العالمية. وقدمت الغرباوي عبر “مندوسا” مثالًا حيًا على كيف يمكن للأزياء أن تتحول إلى لغة عالمية تعبر عن المشاعر والهوية، مما يجعل هذه المجموعة واحدة من أبرز اللحظات في تاريخ الموضة السعودية.